12:15 ص

أموال مصر المنهوبه ؛ هل يمكن استرجاعها





أثارت قضية الأموال المنهوبة حسرة الناس على ما آلت إليه أمور هذا البلد، وعرفنا لأول مرة مقدار النهب الذى تعرضنا له، وحزنا لضياع الأمانة عندما أعطينا مقاليد الأمور لمن لا يستحق ولا يؤتمن. وعرفنا أيضا مدى زيف ادعاءات الأصوات الجهورة التى زعمت أنها تسعى لمصلحة البلاد والعباد، بينما تفرغ أصحابها. نهب ثروات الوطن، ونزح موارده، والاستئثار بكل خيره لهم وأولادهم!


وتتفاوت تقديرات الأموال المنهوبة بين ثلاثين ومائة مليار دولار، أى ما يساوى على أقل تقدير قيمة ديون مصر الخارجية، وعلى أكثر تقدير ثلاثة أضعاف ذلك. وهى تنسب لعائلة الرئيس ومجموعة من المحاسيب، وآخرين ممن يسمون جزافا رجال الأعمال، وهم فى أفعالهم الشنعاء هذه أقرب إلى اللصوص والقراصنة، الذين أعطتهم منظومة الفساد فرصة لاحتكار الأسواق، أو التحكم فى مقدرات الشعب: فهذا إمبراطور الحديد، وذاك ملك العقارات، والثالث أمير زيوت الطعام، والرابع دوق المبيدات الزراعية.


هل يمكن استعادة هذه الأموال؟


هناك عوامل تدعو للتفاؤل، وأخرى تحذر من الإفراط فيه.


فمن ناحية سهلت التطورات التشريعية العالمية من فرص تتبع الأموال المنهوبة وإيقاف التصرف فيها. ولم يعد من الممكن أن يهرب الفاسدون بغنيمتهم. فالعالم قد أصبح ساحة مفتوحة. وزاد وعى الدول والشعوب بخصوص آليات الفساد ونتائجه، وزاد التعاون الدولى مع التوصل إلى اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد (التى صادقت عليها مصر). وحتى فى الدول الأوروبية التى كانت مرفأ هادئا للأموال المهربة، حيث انتشرت الحسابات السرية، واشتهرت البنوك بالحصافة، وعدم سؤال من أين تأتى الأموال، أصبحت هناك قوانين صريحة تمنع التعاطى مع الأموال المهربة، وتفرض إعادة الأموال المنسوبة للحكام والسياسيين الكبار ومسؤولى الشركات العامة إلى الشعوب إذا ثبت الثراء السريع لهؤلاء المسؤولين.


وانصاعت سويسرا، بلد البنوك والحسابات الخفية، للضغوط الأمريكية والأوروبية، وأبدت تعاونا كبيرا فى تتبع الأموال المشبوهة. وتغير الفكر الأوروبى بخصوص استضافة وحماية الحكام الهاربين بأموال بلادهم. وهناك حادث شهير عن أحد أقرباء حاكم أفريقى تم إيقافه فى مطار باريس بتهمة سرقة أموال الشعب عندما لوحظ نمط المعيشة الفخم الذى يتمتع به، ويتناقض بوضوح مع حال جماهير بلده البائس.


ونتيجة لكل هذه التطورات كان من المنعش مبادرة الحكومة السويسرية بحجز أموال الرئيس السابق زين العابدين بن على، وكذلك الرئيس محمد حسنى مبارك وعائلته بعد ساعات من إعلان تخليه عن السلطة، وتم ذلك حتى قبل أن تطلب الحكومة المصرية.


ولسوء حظ أولئك الحكام التعساء، الذين استسلهوا السطو على أموال شعوبهم، تغير القانون السويسرى منذ أشهر قليلة مع صدور قانون خاص بتجميد ومصادرة ورد الأصول المسروقة (صدر فى ١ أكتوبر ٢٠١٠). وعليه يمكن لوزارة الخارجية الفيدرالية أن تطلب الحجز على أموال السياسيين والمسؤولين فى الدول النامية الموجودة فى سويسرا. وتشمل هذه الفئة على وجه التحديد رؤساء الدول أو الحكومات، كبار السياسيين، وأصحاب المناصب الرفيعة فى الإدارة والهيئة القضائية والقوات المسلحة أو الأحزاب السياسية الوطنية، وكبار المديرين التنفيذيين للشركات الحيوية المملوكة للدولة. ويكفى لحجز هذه الأموال أن يكون هناك «افتراض معقول» بأن الأشخاض المعنيين قد أثروا بسرعة غير معقولة، أو أن هناك مناخا من الفساد العام السائد يمكنهم من سرقة أموال الشعوب. وهكذا يقع عبء الإثبات على المسؤول السابق، ولا يستطيع فك الحجز على الأموال المجمدة دون إثبات جازم بمشروعية مصدرها.


ومع كل هذه العوامل المبشرة يجب التحذير بأن قضية استرداد الأموال ليست سهلة، حيث إن هناك إجراءات قانونية ومالية وإدارية معقدة يجب اتباعها، ولم تسفر عملية متابعة أموال ماركوس فى الفلبين، أو دوفالييه فى هاييتى، أو موبوتو فى الكونغو عن نتائج مرضية. ففى حالة ماركوس تمت استعادة جزء ضئيل من الأموال المتهم بنهبها، ومازالت أرملته «إميلدا» تعيش فى رغد وأبهة، وفى الحالتين الأخريين لم تستطع السلطات السويسرية تسليم الأموال للشعوب المستحقة لعدم تعاون الحكومات المعنية مع إجراءات الاسترداد!


ولعل البداية فى الحالة المصرية تكون فى اتباع المبادرة التى أطلقها الشاعر الوطنى فاروق جويدة، بأن يتم تشكيل لجنة على مستوى عال من القانونيين، ورجال المال، وممثلى البنك المركزى، ووزارة الخارجية تعطى الصلاحيات الكافية للتعامل مع هذه القضية طبقا لجدول زمنى محدد وأساليب عمل شفافة.

  بقلم د.على عبدالعزيز سليمان  ١/ ٣/ 2011


1 التعليقات:

osama abeed يقول...

أكد هشام عز العرب رئيس مجلس إدارة «البنك التجاري الدولي» إن عودة الأموال المصرية المهربة إلى الخارج قد تستغرق عاما على الأكثر، «شريطة أن تصدر أحكام نهائية من جهات قضائية مدينة غير عسكرية وغير مسيسة، لأن الغرب لا يعترف إلا بالقاضي الطبيعي المدني»، مع إرسال تلك الأحكام إلى جميع الدول المرجح أن يكون فيها أموال مهربة غير شرعية لبعض السياسيين، ومن صدرت ضدهم أحكام نهائية تؤكد عدم شرعية تلك الأموال، خصوصا أن معظم دول العالم موقعة على اتفاقية مكافحة الفساد وغسل الأموال، مؤكدا أن «تلك الاتفاقية ملزمة للجميع»." والمقصود بتلك الثروات المنهوبة التي خرجت بشكل غير شرعي، وتكونت عن طريق عمليات فساد، أو من خلال استغلال السلطة، أما الأموال التي تكونت من خلال أرباح طبيعية لنشاط اقتصادي فلا تدخل في هذا الإطار. وحتى الأماكن التي لم توقع على تلك الاتفاقية مثل جزر كايمن وجزر الباهاما والمالديف، والتي يطلق عليها الملاذات (أو الجنات) الضريبية أو «بنوك الأوف شور» يمكن استرداد الأموال منها، حسب عز العرب الذي عمل في مؤسسات اقتصادية كبرى في الخارج، إذا تمت الاستعانة بشركات دولية كبرى تعمل في هذا النشاط، والموجودة في لندن ونيويورك، وبها موظفون من مكاتب مخابرات لعدة دول وقانونيون على أعلى مستوى، ويأخذون الأتعاب كجزء من تلك الأموال. بحسب جريدة "الشروق كانت عملية استرداد الأموال التي تذهب إلى الخارج عملية صعبة، لكن الأمر اختلف بعد أحداث 11 سبتمبر، حيث تم وضع البنوك في هذه الدول تحت ضغط رهيب، باعتبارها مصادر غسل الأموال للعمليات الإرهابية، ودخل عدد منها في إطار المعاهدة الدولية لمنع تبييض الأموال، وأصبحت هناك إمكانية لتجميد الأموال بهذه الدول، لكن المشكلة ربما تكون في الدول العربية غير الموقعة على تلك الاتفاقيات الدولية.